-A +A
محمد الحربي
لم يكن رحيل العم أحمد فؤاد نجم (الفاجومي) عن هذه الدنيا رحيلا باهتا أو باردا أبدا.. لأن العظماء وإن كانوا يمرون في حياتنا سريعا.. وإن عمروا دهرا بيننا.. فإن رحيلهم يمر بطيئا.. وله دوي عظيم عندما تحين لحظة الفراق، ويبدأ مشوار الخلود..
«نجم مات.. آخر خبر في الراديوهات»..

تماما على طريقة الفاجومي عندما يصور رحيل أحد هؤلاء العمالقة:
« جيفارا مات
جيفارا مات
آخر خبر في الراديوهات
وفي الكنايس والجوامع
وفي الحواري والشوارع
وعالقهاوي والبارات
جيفارا مات..».
يصبحون خبرا يتداوله الجميع.. ثم لا يموتون بعدها أبدا.
العم أحمد فؤاد نجم نعى نفسه قبل رحيل بأيام:
«أنا الرخيص أوي عندكم..
وغالي عند اللي خالقني..
في يوم ما أفارق أرضكم..
موضوع لا يمكن يضايقني..
أنا اللي جيبتولي الأمراض..
أنا اللي بيا منكم فاض..
أنا اللي قولت يا باشا كتير..
وأكتر كمان اتقاللي أنا ياض..!
أنا المهدد.. أنا المجند..
أنا اللي دايما بعيا وبرقد..
أنا المراكبي والصياد...
أنا المواطن يا رؤساء...
أنا اللي متكحرت في بولاق..
وأنا اللي بتلملم أشلاء.....
مركب وقطر وعبارة..
الموت لأمثالي إعارة..
والموت بقى ليكو تجارة..!
الموت في أشكالكو خسارة...
عيشوا حياتكم..
آخرها هنا..
ماهتسلكوش مع ربنا..
عنده هيتجاب حقنا..
ولسه اللي عايشين بعدنا..
شوكة في زوركم.. في نحوركم..
هيردوا كل اللي خنقني..
عرفتوا ليه أنا مطمن..؟
وحتى موتي ولا قالقني..
أنا بصحى في عروق الثوار..
بعد أما روحي تفارقني..».
العم نجم كان يكتب شعرا للناس ليقرأه الناس، لم يكن معنيا بشيء آخر شأنه شأن كل الصعاليك العظماء.. ولكن هذا الشعر البسيط الذي لا يقدر على كتابته أي أحد.. وحده قادر على إرباك الخونة والفاسدين.. ووحده من يجعل من على رؤوسهم «بطحة» يتحسسونها.. ووحده هذا الشعر الطريق الممهد للزنازين التي قضى فيها الفاجومي ورفيق دربه الشيخ إمام كثيرا من سنوات عمرهم.. وحده هذا الشعر كان قادرا على إرباك السلطة..
العم نجم كان يكتب بلهجة الناس الدارجة ولهذا كان الأكثر وصولا إليهم.. ولعل قصيدة عبدالودود تشرح هذا النموذج السهل غير الممكن في شعر الفاجومي:
«واه يا عبد الودود
يا اللي رابض عالحدود..
ومحافظ عالنظام
كيفك يا واد صحيح..
عسى الله تكون مليح
وراقب للأمام..
أمك عتدعي ليك..
وعتسلم عليك..
وتقول بعد السلام:
خليك ددع لابوك
(لا يقولوا منين دابوك)
ويمصخوا الكلام!
**
واه يا عبد الودود
عقلك وانته خابر..
كل القضية عاد..
ولسه دم خيك
ما شرباش التراب
حسك عينك تزحزح..
يدك عن الزناد
خليك يا عبده راصد..
لساعة الحساب
آن الأوان يا ولدي..
ما عاد إلا المعاد..
تنفض الشركة واصل..
وينزاحوا الكلاب
إن كنت ود أبوك..
تديب لي ثار أخوك
والأهل يبلغوك
دميعا السلام
**
واه يا عبد الودود
كيفك وكيف زمايلك؟
عسى الله طيبين..
خالك زناتي جايلك..
ضمن المطوعين..
واختك تطلع يوماتي..
عالمستشفى القديمة
حاكم عيمرنوها..
في العركة تكون حكيمة
ومحمدين موافي..
يتعلم المطافي
ويقولك شد عزمك..
ويقلك العوافي
ومن هنا القرايب..
والعيلة والعيال..
عيبلغوك سلامهم
ولتمة الرجال
وآخر الكلام..
نقولك في الختام
الله يصون بلدنا
ويحرس السلام
والدك/ حسن محارب (غفير برج الحمام)»..
هنا تكمن عبقرية أحمد فؤاد نجم.. السهل الممتنع.. «الفاجومي» كان يكتب بلسان الناس بساطتهم وهمومهم ويومياتهم بلغة شعرية باذخة وموسيقى تتدفق بسلاسة لا يشبهها إلا الناس أنفسهم.. لذلك عندما رحل.. سمعنا جميعا لرحيله كل هذا الدوي..
رحم الله العم أحمد فؤاد نجم.. رحل عنا جسدا.. لكنه بالتأكيد حي مع الخالدين في ذاكرة التاريخ.. هكذا هم المبدعون.